تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الخان

الخان 2024.

حكاياها القديمة لا تغادر ذاكرة "الشواب"
الخان القديم ماضٍ مرصع باللؤلؤ

تعتبر منطقة الخان بالشارقة من أقدم الأماكن التي تتواتر أخبارها على ألسنة الشواب، الذين يحملون تاريخها في قلوبهم، لأنهم ولدوا على أرضها التي شهدت ميلاد أجدادهم وآبائهم. ويزيد عمر منطقة الخان على 400 سنة، وتقع بين الشارقة ودبي على الخليج العربي. وكان عدد بيوتها لا يزيد على 29 بيتاً مازال بعضها موجوداً ويتم ترميمه، وتسكنها الأسرة الممتدة التي كانت تعيش في بيت واحد يجمع الأجداد والآباء والاخوة وزوجاتهم وأولادهم واحفادهم، وتنتهي تلك الأسر المترابطة الى كبيرهم الذي يحكمه في النهاية كبير القبيلة التي تنتمي اليها أسرته، وكان هذا الكبير هو المتصرف في أمور قبيلته ويمسك بجميع خيوطها في يديه.

الشارقة – محمد هجرس:

كانت الحياة في المنطقة تتميز بالهدوء الشديد الذي يوصف في بعض الأحيان بالهدوء القاتل، خاصة أن المهنة التي كان يمتهنها الناس هي التجارة سواء بالبحر أو بداخل المنطقة، من خلال 25 دكاناً كل منها تخصص في بيع سلعة معينة ويحرم عليه بيع أنواع أخرى، رغم أن القانون في ذلك الوقت لم يكن به ما يجرم ذلك، ولكنه اتفاق جرت عليه الأمور في تلك الفترة. ولأن البحر كان حياتهم، استطاعوا الابحار والوصول الى الهند التي كانت سوقاً لتجارة اللؤلؤ الذي كانوا يستخرجونه من الخليج العربي، ووصلوا أيضاً الى جنوب افريقيا وسريلانكا، لجلب الشاي والأخشاب بأنواعها والفحم، ولكن أكثر الأماكن التي ارتبط بها أهل الخان قديماً، هي بومباي في الهند التي كانت من المراكز التجارية الكبرى على مستوى العالم فمنها جلبوا الأقمشة والمواد الغذائية، والشبابيك والأبواب الجاهزة والدقيق والحلوى.

كل هذه الأشياء جعلتهم يقومون بتشييد ما يعرف ببيت “الطواشة” حتى يمكن لجامعي اللؤلؤ من الخليج العربي الالتقاء فيه للتشاور في السعر الذي سيبيعون به. وكانت العادة بينهم قيام ما يقرب من 3 أو 4 من التجار الكبار الذين كانوا على علاقة بالتجار في مدينة بومباي، أو في سريلانكا أو في جنوب افريقيا بحمل البضاعة وركوب البحر للسفر بها الى تلك المدن وبيعها والعودة بما يحتاجونه، أو بثمنها.

ويوجد بالمنطقة ايضاً مسجد يحمل اسم خلفان بن غانم الذي كان إماماً له من فترة تزيد على 200 سنة، والبعض يسمي المسجد مسجد ابن دباس الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ، وقام ببنائه على حسابه الخاص، ثم تولى الصرف عليه حتى وفاته. وكان إمام المسجد يعمل من دون أجر رغم أنه كان يقوم كل أسبوع بعد صلاة العشاء باصطحاب أهل بيته الى المسجد ليلاً لتنظيفه.

ويوجد أيضاً مجلس للشواب، كان مخصصاً للبحث عن الحلول للمشاكل التي كانت تواجه المنطقة، وتنظيم الأمور الحياتية الخاصة بالناس مثل تنظيم تحصيل الزكاة وتوزيعها على المحتاجين، وكان الجميع يتسابق الى دفع زكاته، حتى الفقراء كانوا يسابقون الأغنياء في دفعها رغم أنها ستعود اليهم.

وتوجد “برزة” الخان التي يعود تاريخها الى أسرة الجريشات، وهي عبارة عن استراحة وتحمل عبق الماضي وكثيرا من ذكرياته، وقام بانشائها عبيد بن محمد بن عبيد بن عيسى بن جرش احياء لذكرى أجداده، وهو حفيد أمير منطقة الخان الذي ترك وراءه أبياتاً شعرية على عتبة باب قصره ترحب بالزائرين. وفي برزة جرش تلك يمكن للعابر أن يستريح ويشرب القهوة العربية المنكهة بالهيل والقرنفل ويسمع حكايات شعبية على الربابة تشبه اساطير الأزمنة الفائتة، حتى ليشعر الزائر بأنه راكب لآلة الزمن التي يراها ترحل به الى أزمنة عدة مغروسة بأشجار الليمون والنخيل والاشجار وبعض الزهور التي تجعل المكان خلاباً.

وكان من طقوس الزواج التي سيطرت على الناس خلال تلك الفترة زواج ابن العم من بنت عمه، على ان يدفع لها 50 روبية مهراً، ويجهز حجرة للنوم مكونة من سرير كبير خاص بالرجال يعبر عن مدى قوة الرجل، ويضع مقابله “شابدية” تشبه السرير ولكنها منخفضة عنه، لتعبر عن ضعف الأنثى وحاجتها الى حماية الرجل. على أن تكون هذه الأشياء مجلوبة من الهند.

رجال

خليفة سيف قصمو يقول: أنا من الناس التي ولدت في منطقة الخان وعمري الآن يقترب من السبعين عاماً، وأحمل في صدري وعلى اكتافي تاريخ تلك المنطقة الذي لا يبرح خيالي أبداً، خاصة أنني مازلت أرى المركب الكبير الذي كان في حاجة دائمة الى رجال أقوياء يمسكون بمجاديفه، وهم يقتربون من “الرسوة” التي كانوا يربطون حبالهم بها، ثم يقوم الناس بانزال ما بداخله الى الأرض، فكنت أرى اجولة السكر، والشاي، والحلويات والارز والدقيق وكل ما كان يحلم به الطفل في تلك الفترة. وأضاف: كنت والأطفال ننتظر وصول المركب كل صباح ومساء من البحر الذي كان يمثل لنا الحياة، ولم نكن نتخيل أن نرحل الى مكان آخر لا يوجد به بحر، فهو الذي يمدنا بمواد البناء التي نشيد بها بيوتنا، خاصة الخشب بأنواعه المصنعة من شباك وباب وسرير و”شابدية” التي تخيلناها دوماً ونحن شبان، وتمنينا اليوم الذي نكون فيه رجالاً ننام على السرير مقابل “الشابدية”.

ويؤكد قصمو أنه كان يرى أهل منطقة الخان وهم يصلون داخل المسجد ويجلسون بعد الصلاة يدعون الله أن تصل تجارتهم سالمة، وألا يضار أحد من رجالهم في البحر، ودائماً ما كان يحدث ذلك في أوقات تأخر قافلة التجارة بسبب الرياح التي تكون شديدة أو وجود عطل في المركب.

ويؤكد فريج سيف المرزوق أنه يتردد يومياً على منطقة الخان، لأنه قطع على نفسه عهداً بزيارة اجداده، ولن يوقف هذه العادة. فهو يرى أن كل شيء في المنطقة له أهمية، ويصعب أن يتكرر، رغم أنه تحول الى اطلال وهياكل لبيوت كانت عامرة بالناس، بعضهم مازال حياً، والبعض الآخر رحل الى القبر. ويشير الى أن حبه وحب أهل الخان القديم لأجدادهم جعلهم يشيدون خاناً جديداً بجانب القديم. ويقول إن طفولته في الخان كانت من أجمل أيام عمره الطويل لأنه كان يعيش وسط اخواله واعمامه الذين كانوا ينصهرون في بوتقة واحدة، ولم يمر يوم واحد إلا واقاموا مناسبة في بيوت احدهم ليجتمع الكل في اجواء تسودها المحبة والكرم الذي مازال محافظاً عليه حتى الآن، وزرعه في أولاده. وعن شعوره وهو يذهب يومياً الى زيارة الخان القديم يؤكد المرزوق أنه يحن للماضي الجميل، هذا الحنين الذي تختلط فيه السعادة بالحزن. ويشير بيده قائلا: هنا كانت تجلس أمي لاعداد الطعام لنا وعلى شاطئ الخليج كنا ننتظر بكل لهفة وشوق جدي ووالدي العائدين بعد غياب شهور من رحلات الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. لذلك مارست الغوص مثلهما بحثاً عن الرزق.

ويقول سيف حمد السويدي (73 سنة): الحياة في ذلك الوقت كانت أجمل من الآن، لأننا كنا نعتمد في كل شيء على الطبيعة التي كانت دائماً ما تسخو علينا بالمطر على طول شهور السنة، وحتى سنة 1970 لم نكن نعرف أي شيء عن الكهرباء وكنا نعتمد على الشعلة الكاز التي نورت لنا سهراتنا التي كانت تمتد حتى منتصف الليل خصوصاً في شهر رمضان الكريم. ويوضح أن الجميع في تلك الفترة كان ينعم برفاهية أكثر اتساعاً من الرفاهية التي يعيشها العالم الآن.

وأضاف: البرجيل الذي كان يميز بعض بيوتنا، متعة في تلطيف جو البيت وأفضل كثيراً من المكيفات التي حولت الحياة الى قطعة من جهنم، خاصة عندما تضطر للنزول من بيتك لقضاء حاجاتك.

ويشير عبيد خليفة سلطان “عمره يزيد على 80” الى أن الناس كانت في منطقة الخان تتصف بالإيمان الشديد، لذلك عندما كان يغيب المطر عنا كانوا يصلون خلف الإمام ويدعون بقلوب خالصة ان يمن الله عليهم بسقوطه ولا يخرجون من المسجد إلا بعد أن يسقط.

وأوضح سلطان أن أجمل الأماكن التي مازالت موجودة بمنطقة الخان القديم هو بيت “الطواشة” الذي كانوا يذهبون اليه ليتفرجوا عليهم وهم يتفقون على تحديد الأسعار التي سيبيعون بها بضاعتهم، وجدالهم الذي كان يطول حول متاعبهم في جلب البضاعة، وبعضهم كان يجزم كثيراً لدرجة أنه اشتهر بذلك الجزم بين الجميع، بأن السعر المحدد لبضاعته لا يساوي جزءاً صغيراً من متاعبه في الغوص، وبقائه في البحر لمدة اسبوع باحثاً عن اللؤلؤ. ومشيراً الى أن المجلس داخل “الطواشة” كان خاصاً بالتجار فقط الذين يقومون بعد اجتماعهم بتجهيز تجارتهم للابحار بها الى “بومباي” أو جنوب افريقيا، أو سريلانكا، والعودة بكل ما يحلم به الأطفال من مواد غذائية، وذهب معظمه يكون خاصاً بالحريم.

ويقول سيف مسبح 76 سنة كانت قلوب الناس في منطقة الخان القديم بيضاء مما جعلهم يشعرون بالأمن والأمان، فزاد حبهم للعطف والعطاء للجار والمبادرة الى مساعدة كل محتاج خاصة في حالات الزواج. وأضاف أن كل من يعلن عن زواج أحد أولاده يجد نفسه وقد أصبح من الأغنياء بعد قيام الجميع بجمع المال وتقديمه له بهدف اعانته في المناسبة. وأكد مسبح أنه لم يكن أحد منهم يعرف طريقاً الى المحكمة بسبب وجود كبير الأسرة، وإمام المسجد الذي يجله الجميع ويحترمون رأيه، وينفذونه، لذلك كانت معظم المشاكل التي تثار تعرض عليه ليحكم فيها، مشيراً الى أن التوصل الى الحلول كان بعد تداول طويل بين الكبار وإمام المسجد الذي كان يمثل القائد.

خليفة بن علي (65 سنة) قال: عندما انتقلنا الى المنطقة بعد أن كنا قبائل متفرقة شيدنا بيوتاً عدة خصوصاً البيوت التي بنيناها من سعف النخيل لنسكنها في فصل الصيف فقط، وكانت تسمى “ليزبرة”، في حين ننتقل الى مكان آخر في منطقة الخان لنقضي فيه فصل الشتاء، الذي كان بارداً عن اليوم.

ويقول خليفة سيف بن سويف (62 سنة): المنطقة حتى بداية الخمسينات لم تكن تعرف المطاعم التي انتشرت الآن، وكل ما كنا ننتظره ونحن صغار هو البائع الهندي الذي كان يتجول وهو يحمل على ظهره الحلوى وكان يبيعها لنا بروبية هندية، وكنا نسميه الحمال وعرف بيننا بهذا الاسم، لأنه كان يحمل كل شيء على ظهره. وعن حصون الدفاع الموجودة داخل المنطقة يؤكد ابن سويف أنهم لم يروا أحداً يستخدمها في شيء، ولكنها استخدمت في بداية ال 300 سنة الماضية ضد الأشخاص الذين كانوا يفدون على المنطقة لسرقة اغراضها، خاصة اثناء الليل، موضحاً أن هذه الرواية سمعها من بعض الشواب في طفولته.

الخليج

خليجية

خليجية
الله يعطيك العافيه
علي الموضوع
خليجية
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.