~*~
سبق وأن أشرنا إلى المكانة التي احتلتها الناقة في الشعر الجاهلي وبالتالي المكانة العالية التي احتلتها في شعر شاعرنا عنترة … فكثيرا ما كان يوقف ناقته في دار عبلة ، ويشبهها بالبناء المحكم المتماسك في قوته وعنفوانه حيث يقول :
فوقفت فيها ناقتي وكأنها
فدن لأقضي حاجة المتلوم
تأوي لها قلص النعام كما أوت
حزق عانية لأعجم طمطم
كما تعد ناقته ملهمته التي توصله إلى محبوبته وابنة عمه فيقول :
هل تبلغني دارها شدنية
لعنت بمحروم الشراب مصرم
خطارة غب السري زيافة
تطس الآكام بذات خف ميثم
ويلاحظ أنه في شعر كثير من أكابر شعراء العرب أن أغرب كلماتهم تأتي في سياق وصف الناقة والفرس ولعل ذلك يرجع إلى علاقتهم الكبيرة مع الناقة والفرس التي جعلتهم يتفننون في تسمية أعضائها وتشبيهها بأشياء كثيرة ، وعنترة في انتقاله من وصف المحبوبة والحديث عنها إلى وصف الناقة حقق ما يسميه الأدباء بـ " فن حسن التخلص " فقد انتقل بسلاسة حين أسهب في الحديث عن المحبوبة ثم قال هل تبلغني ديار هذه الحبيبة ناقة شدنية – وشدن مدينة باليمن عرفت بجودة نياقها – ثم أسهب في وصف الناقة في أكثر من عشرة أبيات وأجمل الصور التي صورها في وصفه للناقة حين أراد أن يصور لنا نشاطها فقال :
وكأنما ينأى بجانب دفها الـ
وحشي من هزج العشي مؤوم
هر جنيب كلما عطفت له
غضبى اتقاها باليدين وبالفم
فهو يقول أنها من نشاطها كأن هرا مربوطا بجانب دفها – أي إبطها – وهذا الهر يخدشها كلما أبطأت لكي تزيد سرعتها وكلما حاولت هذه الناقة الانعطاف إلى الهر لتؤذيه زادها عضا بفمه وخدشا بيديه لكي لا تؤذيه .
من هذا كله تتضح أهمية ومكانة الناقة في شعر عنترة كغيره من الشعراء الجاهليين … إذ نجده يخصص مجموعة من الأبيات لهذا الغرض المتعارف عليه آنذاك وهو وصف الناقة .
منقول""