مواطنون: مقاولون يتلاعبون في مواصفات مساكن مـموّلة مصرفياً
المصدر:
- أمل المنشاوي – أبوظبي
التاريخ: 01 أكتوبر 2024
مواطنون طالبوا باستحداث لجنة لسرعة البت في قضايا غشّ مواصفات السكن. تصوير: إريك أرازاس
قال مواطنون إنهم اكتشفوا غشاً في مواصفات مساكنهم بعد تسلمها من المقاول نتيجة استخدام مواد رخيصة الثمن لا تعادل قيمة المبالغ التي اعتمدتها البنوك للتمويل، وأشاروا إلى أن ذلك حدث نتيجة تواطؤ موظفي بنوك مع مقاولين وشركات استشارية تشرف على مراحل البناء لتقديم تقارير غير حقيقية عن كلفة إنجاز مختلف مراحل المشروع، مشددين على أهمية تشكيل لجنة تضم مندوبين ممثلين عن المصرف المركزي والمحاكم، تكون مهمتها سرعة البت في القضايا الناتجة عن حالات التواطؤ أو الغبن التي يتعرضون لها.
دور «المركزي»
قال مسؤول في المصرف المركزي، فضل عدم الإشارة إلى اسمه، إن «حالات الغش أو النصب تعالج وفق أحكام القانون الجنائي بعد إبلاغ أجهزة الشرطة، ولا دخل للمصرف في معالجة مثل هذه الأمور»، موضحاً أن «المصرف يراقب أداء البنوك للتأكد من الممارسات السليمة مصرفياً، وبما يتطابق مع القانون».
وأشار إلى أهمية الرقابة الداخلية للبنوك في ضبط مثل هذه الحالات، نافياً تلقي المصرف أي شكاوى بهذا الخصوص.
من جهتهم، أقر مصرفيون بحدوث مخالفات في طريقة تنفيذ العقود، نتيجة رغبة المقاول والجهة الاستشارية في توفير مبلغ من أصل التمويل، مؤكدين أن ذلك لا يتم إلا بوجود موظف متعاون من البنك الممول.
ونصحوا المواطنين الراغبين في بناء مساكن خاصة لهم، أن يطلعوا على سابقة أعمال لكل من المقاول والشركة الاستشارية، وألا يقصروا تعاملهم داخل البنك مع موظف واحد، إضافة إلى إخطار إدارة البنك فوراً حال الشك في أي ممارسات من المقاول أو الشركة الاستشارية.
وتفصيلاً، قال المواطن (ع.ي)، إنه تعرض إلى غش في مواصفات بناء خمس فلل في مدينة خليفة «أ» بناها له ولأولاده، إذ لم تمض فترة ستة أشهر على تسلم الفلل حتى اكتشف أن المواصفات دون المستوى المتفق عليه بموجب العقود، إضافة إلى أن مواد البناء التي استخدمت كانت قليلة الجودة.
وأشار إلى أنه اكتشف أن وجود تواطؤ بين المقاول، الذي هرب مباشرة بعد تسليم الفلل، والشركة الاستشارية، إضافة إلى المهندس المسؤول داخل البنك عن رفع تقارير البناء إلى الإدارة.
وذكر أنه رفع قضية ضد المكتب الاستشاري والبنك الممول بالمحاكم منذ قرابة عام، لافتاً إلى أن الفرق بين القيمة التي تم البناء بها وما صرفه البنك على تمويل عملية البناء لا يقل عن مليوني درهم.
بدوره، قال المواطن، (س.العوضي)، إنه تقدم بطلب تمويل لإحدى الشركات العقارية التابعة لمصرف إسلامي، فوافق البنك على تمويله بمبلغ 20 مليون درهم، موضحاً أنه طلب من المقاول ضرورة وضع أساسات من نوع خاص بها ركائز تتناسب وطبيعة التربة ذات الملوحة العالية، لكنه اكتشف مصادفة عدم التزام المقاول بالاتفاق بينهما، وأنه اتفق مع موظفين من البنك والمكتب الاستشاري على القيام بأعمال تعادل 15 مليون درهم، في حين يتم اقتسام الملايين الخمسة المتبقية من التمويل بينهم، وذلك بعد أن نشب خلاف بين الأطراف المتآمرة، ما ترتب عليه أن المبنى لم يكتمل حتى الآن.
وأشار إلى أنه طلب من إدارة البنك فسخ العقد، إلا أنها رفضت، وقالت إنه يجب سداد مبلغ أربعة ملايين درهم التي تم صرفها، ووعدت بفتح تحقيق إلا أنها لم تتوصل إلى حل. وبحسب المواطنة، (سعاد.أ)، فإنها تعرضت لما وصفته بـ(عميلة نصب) مصرفية كلفتها دفع أقساط لفيلا لم تسكنها سوى عام واحد، وبعدها بدأت الجدران بالتشقق، وعندما استدعت مهندساً لأخذ عينة من المبنى، وجد غشاً في مواصفات البناء، لافتة إلى أنها رفعت قضية على المكتب الاستشاري والبنك والمقاول.
وأكدت أنها لم تتسلم أي أموال من البنك في يدها، وأن الدفعات كانت تصرف للمقاول بناء على تقارير الإدارة الهندسية التابعة للبنك. وأوضحت أنها رفعت دعوى ضد المقاول والمكتب الاستشاري وموظف البنك المسؤول، لكن الأمر لم يحسم بعد، مطالبة بإيجاد حل سريع لمثل هذه المشكلات المتعلقة بالسكن.
في السياق ذاته، قال المواطن، (ع.الكثيري)، إنه تقدم بطلب تمويل لبناء مسكن من أحد البنوك، فوافق البنك على منحه سبعة ملايين درهم تصرف على دفعات، لافتاً إلى أن موظف البنك رشح له مكتباً استشارياً لعمل دراسة جدوى والإشراف على البناء، مؤكداً له أن المكتب معتمد لدى البنك منذ سنوات. وأضاف أنه اكتشف أن جميع المواد المستخدمة في أعمال الكهرباء وتوصيل المياه والصرف غير أصلية، ما كلفه مبالغ إضافية فوق ما يدفعه من أقساط للبنك الذي تنصل من أي مسؤولية، نظراً لأنه مر أكثر من عام على تسلم المبنى، مشيراً إلى أنه لم يلجأ إلى القضاء لعدم معرفته بكيفية إثبات حقه، وعدم رغبته في تحمل رسوم محامٍ والانتظار فترة طويلة حتى تنتهي القضية.
مسؤوليات
إلى ذلك، قال الخبير المصرفي، يوسف عبدالله يوسف، إن «المكاتب الاستشارية هي المسؤولة عن أعمال المقاول، لكن للأسف غالباً ما تحدث مخالفات في طريقة تنفيذ العقود نتيجة رغبة الطرفين في توفير مبلغ من أصل التمويل، وهو أمر شائع في ظل غياب دور فاعل وحقيقي للبلديات، على اعتبار أنها المسؤول النهائي عن منح شهادات الإنجاز التي يمكن للمقاول بموجبها صرف الدفعات المرحلية، إضافة إلى المرحلة النهائية»، لافتاً إلى وجود بعض ضعاف نفوس في البنوك الذين يتم كل شيء بعلمهم وموافقتهم، لكنهم بلا شك أقلية.
وطالب يوسف إدارات البنوك بتشديد نظم الرقابة الداخلية، وعدم حصر مسؤولية الإشراف على البناء في موظف واحد، بحيث يمكن متابعة الأداء من خلال نظام متكامل يقوم فيه كل موظف بعمل يحاسب عليه ويمنح الفرصة لمحاسبة المقصرين.
وأكد أن «أكثر حالات التواطؤ تتم بين المقاول المنفذ للمشروع والمكتب الاستشاري المشرف على البناء، لكن في النهاية يفترض أن مهندس البنك له دور مهم في منع أي تلاعبات وكشفها».
استغلال
أما الخبيرة المصرفية، شيخة السويدي، فقالت: «هناك موظفون داخل البنوك يستغلون المواطنين على وجه الخصوص من يمنحونهم ثقة زائدة، ويحتالون عليهم»، مقرّة بوجود ممارسات ضارة في ما يخص قروض بناء المساكن للمواطنين.
وأوضحت أن «هناك موظفي بنوك يتفقون مع مقاولين على تزكيتهم لدى المواطن طالب القرض لبناء مسكن لقاء مبلغ مالي معين، يخصمه المقاول بدوره من الدفعات التي تصرف له على حساب المواصفات المتفق عليها بموجب العقد»، لافتة إلى أن «هناك تلاعباً في شهادات الإنجاز التي يفترض أن تعد من قبل المكتب الاستشاري وتعتمدها الإدارة الهندسية بالبنوك، وتذهب نسخة منها إلى البلديات، ويتم بناء على هذه الشهادات المتلاعب بها صرف دفعة جديدة للمقاول، على الرغم من أن نسب الإنجاز الحقيقية تخالف ما تنص عليه الشهادات».
وأضافت السويدي أنها شاهدت حالات كثيرة لمواطنين وقعوا ضحية الاتفاق بين المقاولين والاستشاري من جهة، وموظفين صغار في البنوك من جهة أخرى، بعضهم اكتشف الغش قبل اكتمال المبنى، والآخر لم يستطع لعدم خبرته وتسلم البيت ليكتشف ذلك بعد أشهر عدة».
وطالبت السويدي بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن المصرف المركزي والبلديات والقضاء، تكون مهمتها البت سريعاً في مثل هذه القضايا التي تأخذ سنوات بالطرق العادية للتقاضي». ونصحت السويدي جميع المواطنين الراغبين في بناء مساكن خاصة لهم أن يطلعوا على سابقة أعمال كل من المقاول والشركة الاستشارية، وألا يقصروا تعاملهم داخل البنك مع موظف واحد، إضافة إلى إخطار إدارة البنك فوراً حال الشك في أي ممارسات سواء من قبل المقاول أو مهندس الشركة الاستشارية.
غش وتواطؤ
من ناحيته، قال رئيس الائتمان العقاري في بنك دبي الإسلامي، علاء الدين الحسيني، إن «طلب تمويل مسكن بشكل عام لابد أن ترفق به دراسة مبدئية من قبل أحد المكاتب الاستشارية المعتمدة لدى البنوك توضح الكلفة وكيفية سداد المواطن أقساط التمويل، سواء من راتبه الشهري أو أي مصدر ثابت للدخل»، موضحاً أن «البنك يكلف مهندساً بإدارة تمويل العقارات بالبنك بعمل دراسة موازية لدراسة المكتب الاستشاري للتأكد من واقعيتها ومطابقتها للأسعار السائدة، وبناء عليها يتم تحديد مبلغ التمويل.
وأكد الحسيني أن «أي تواطؤ يحدث أو غش في المواصفات يكون نتيجة اتفاق بين المقاول والجهة الاستشارية، نظراً لوجود مهندس مقيم تابع للجهة الاستشارية يفترض قيامه بالإشراف على أعمال البناء، والتأكد من جودة مواصفات المواد المستخدمة»، لافتاً إلى أن «الغش يتم عن طريق اعتماد أعمال غير منفذة للمقاول من قبل المكتب الاستشاري، أو وضع أسعار أعلى للمواد المستخدمة».
وأشار إلى أن «البنك لا يصرف دفعات للمقاول إلا بعد إحضار شهادة إنجاز من البلدية، ومن المفترض في هذه الحالة أن يراجع مهندسو البلدية مراحل البناء بعد الاستشاري، والموافقة على منح هذه الشهادة، لضمان قيام البنك بصرف الدفعة التالية للمقاول».
ولم ينفِ الحسيني إمكانية تواطؤ موظفي البنوك، لكنه شدد على سرعة كشفه من قبل إدارة البنك حال الاشتباه في الموضوع.