يعد الكرم والضيافة من العادات والقيم النبيلة التي فطرت عليها العرب واتسمت بها حياة الآباء في الإمارات على مر العصور 0 وقد حرص الناس باستمرار على زيارة بعضهم البعض في جميع المناسبات السعيدة منه والحزينة0 وقد عبرت هذه العادات الأصيلة عن الترابط والتكاتف بين أفراد المجتمع وتبادل المواد في ما بينهم كما تجلت في عادات إكرام الضيف وحسن استقباله سمات التواضع والتراحم بين فئات المجتمع0
وقد انقسمت الزيارات في الإمارات إلى قسمين:-
الأول : زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء في أوقات الزيارة المألوفة التي عادة ما تكون في الصباح وفي المساء0
والقسم الآخر: الزيارة إلى خارج البلدة التي يقوم فيها الزائر وتسمى ( خطارة ) وإن كانت لقريب أو صديق أو للاطلاع والتعرف0 و ( الخاطر ) هو الزائر أو الضيف ، وكان هذا النوع من الزيارة يتم بأن يسافر الضيوف إلى مستضيفيهم عن طريق البر على ظهور الخيل أو الأبل أو الحمير أو حتى مشياً على الأقدام في بعض الحالات النادرة وعند وصولهم إلى البلد المقصودة أو الحي ، فانهم ينزلون أو يترجلون عن ظهور مطاياهم ويقتادونها ، وذلك لأن امتطاء الضيوف للخيل أو الأبل داخل أحياء القرية أو البادية سلوك غير لائق، لأنه يسيء إلى المقيمين ويوحي بعدم الاحترام لأبناء القبيلة أو الحي0
ولا ينطبق هذا الأمر في حالة كون الزائر أو الضيف هو من أشراف قومه أو زعيماً له مكانته وهيبته بين الناس ، أو أن تكون الزيارة قد تمت بدعوة كريمة من الحي أو القبيلة فالأمر هنا يختلف حيث يخرج أهل الحي أو القرية لاستقبال الضيوف ( برزيف الحربية ) ترافقها طلقات البنادق ويرد الضيوف على مضيفيهم بالمثل0
وإذا كان طريق الضيوف بحراً ، فحينما تقارب السفينة مرسى السفن فإنها ترفع علم البلد التي جاءت منها وفيه كإشارة إلى البلد المقصود وإظهاره للبهجة والسرور0
مجلس الضيوف
( والمجلس ) هو المكان الذي يستقبل فيه صاحب البيت ( المعزب ) ضيوفه0 وفي النوع الأول من الزيارات يأمر رب البيت بتقديم القهوة لضيفه أو لضيوفه0 والقهوة في هذه الحال تعني تقديم الطعام والشراب للضيف ، وهي ما تسمى ( بالفوالة ) إضافة للقهوة، وإذا كان
الزائر على عجلة من أمره أو أراد الاعتذار ، يكتفي رب البيت بجلب ( دلة ) للقهوة فقط ، غير أنه من النادر عند أهل الإمارات وهم المعروفون بكرمهم وحسن ضيافتهم النزول عند رغبة الضيف، إذا اعتذر عن تناول الطعام والشراب فيوافقونه ظاهرا ثم يقدمون له الحلوى المحلية ثم دلة القهوة ومن ثم الطعام0 وتقدم القهوة في فنجانين يديرها الساقي على الجالسين بيده اليمنى وفي يسراه ( الدلة ) فيبدأ بالزائر أولا إلا إذا كان حاضراً من هو أجل منه قدراً، فيقدم عليه أو يقدمه الزائر على نفسه، وتصاحب مراسيم الضيافة الكريمة عند أهل الإمارات عبارات الترحاب والبهجة بلقاء الضيوف وإبداء السعادة بالزيارة التي قاموا بها وشكرهم الجزيل عليها 0
وأما إذا كان الزائر من الأقارب أو من أرحام الأسرة المضيفة ، أو إذا كان صديقاً حميماً للمضيف، فلا تنطبق عليه جميع العادات من تحديد الأوقات وتجنب محذورها بل يزور متى شاء وفي أي وقت أراد0
أما إذا كانت الزيارات خارج البلد التي يقوم فيها الزائر فإن أهل الدار والجيران يستقبلون الضيوف بالحفاوة والترحاب ويجلسون دونهم في المجلس احتراماً وتقديراً لهم ، فيسألونهم عن أحوالهم وعن أهل بلدهم وذويهم وعن رحلتهم مستبشرين بهم0
ويعبر عن ذلك صدق مشاعر الناس وتقديرهم لبعضهم البعض أيضا ، كما يعبر عن مظاهر المحبة والتعاطف والعفوية التي كانت تربط الناس بعضهم ببعض في إطار الحياة البسيطة الخالية من التعقيدات والبعيدة عن التكلف والتظاهر0
وأثناء تبادل الحديث والترحاب بين الضيوف ومضيفيهم تقدم القهوة ( الفوالة ) وأهم طعام يقدم للضيوف عادة هو الذبيحة ، وقد تذبح أكثر من ذبيحة واحدة على حسب عدد الضيوف أو مكانتهم الاجتماعية كأن يكونوا علماء أو أعيان أو زعماء قبائل ، وفي حالة كون الضيف ذا علاقة وطيدة ( بالمعزب ) أو ذا مكانة رفيعة ، فإن المضيف يستخدم طريقة ( الفوقة ) في الطبخ ، وهي طريقة خاصة تقوم على طهي اللحم حتى ينضج وبعد ذلك يطبخ الأرز ( العيش ) فإذا نضج يوضع مع اللحم بحيث يكون اللحم فوق ( العيش ) ويوضع فوقها رأس الذبيحة ، أما المرق فيوضع في وعاء آخر0
ومن عادات استقبال الضيف والاحتفاء به أنه إذا أراد الجيران دعوة الضيف على غذاء أو عشاء استأذن صاحب الدار ، ثم أخبر الضيوف ولا تتم الدعوة إلا بعد هذه الإجراءات وإلا فإنها غير لازمة لصاحب الدار من جهة وللضيوف من جهة أخرى0
وعادات الزيارة والضيافة عن أهل الإمارات اليوم لا تختلف كثيراً عنها في الأمس ، فالضيف اليوم يستقبل من قبل مضيفه برش العطور ، وإذا كانت الضيفة إمرأة استقبلت بصينية كاملة من زجاجات العطور العربية الصافية ، ولعل المخلط الذي تبتكره المرأة هنا هو واحد من العطور الأكثر تميزاً حتى الآن ، فهي تحضر أنواعاً عديدة من العطور المتفردة مثل العنبر – الصندل والزعفران والياسمين وماء الورد وأنواعاً أخرى ثم تقوم بتخميرها وذلك بطرق خاصة لعدة شهور أو أسابيع في وعاء مخصص لهذا الغرض ومن ثم تقدم للضيفة التي لها حق اختيار المكان الذي ستضع عليه العطر أو النوع الذي تحب 0 وتقدم ( الفوالة ) أيضاً ، وتحتوي على مجموعة من المكسرات والفاكهة والحلوى ويختار الضيف منها ما يشاء0 وجرت العادة عن استقبال الضيف على تقديم البخور ( العود – الدخون ) ذي الرائحة الزكية التي تضفي على الزيارة والجلسة بهجة وسروراً0
مواضيعك رائعه
علي المرور المتميز