المجال الحيوي للنورس هو الفضاء ، وإذا صادف نورسان فريسة في الهواء (حشرة)
فهما يتسابقان عليها تحليقا وتحويما وحذقا ، حتى إذا حصل أحدهما عليها التهمها لقمة
سائغة خلال طيرانه .
وقد سجلت سرعة النوارس بالنسبة إلى أنواعها وأوضاعها المختلفة بين 30 و80 كيلومتر
في الساعة .
وفي استطاعة النورس أن يمد جناحيه الطويلين ويطير لساعات دون أي جهد .
ولم يتمكن الإنسان من ابتكار حيلة هندسية تضاهي حركة جناحي النورس الهوائية.
وعند هبوب النسيم تبدو النوارس وهي عائمة في الفضاء كأنها لوحة رسام .
وهي تستطيع التحليق ضمن التيارات الهوائية الدافئة والصاعدة للأعلى أو في خطوط
المراكب البحرية ، مبقية قوائمها تحت ريشها لادخار الطاقة ، وريش النورس منسق في
طبقات لتأمين أفضل عزل للعوامل الخارجية ، في حين أن قوائمه تحميها صمامات صغيرة
تنقل الدم الدافئ إلى أصابعه الشبكية . قليلة هي الكائنات الحية التي تستطيع هضم الأطعمة الغنية التي تأكلها النوارس ، وبينها التوت
والشعير وبذور اليقطين من النبات ، والفئران الميتة والعوالق البحرية والعث والذباب
والجنادب والسلاحف من الحيوان .
في ولاية يوتاه الأمريكية التهمت أسراب النورس عام 1848م معظم الجنادب التي تهدد
المزروعات فما كان من جماعة المورمون الدينية إلا أن أقامت في مدينة سولت ليك سيتي نصبا
يعلوه نورسان .
وإلا معدته الفولاذية يتمتع النورس بمنقار غافر ومريء ضخم يجتمع فيه ثلث وزنه تقريبا ،
ويقول أحد المراقين أنه شاهد نورسا يحلق في الفضاء وقد تدلت من فمه قائمتا أرنب .
والنوارس تشرب المياه المالحة بفضل غدتين خاصتين في رأسه تتوليان تحليه المياه وفرز
الملح من الفم . وتتجلى قدرة الله عزوجل في خلق هذه الطيور في اندفاعها إلى الأمام والوراء
على الشاطئ ، تبعا لحركة الموج ، وهي تصيد السراطين والرخويات .
في الربيع تطير النوارس جنبا إلى جنب طلبا للحماية المتبادلة خلال فصل التكاثر .
وتختار شاطئا خاليا أو جزيرة مهجورة ويختار كل ذكر قطعة الأرض الخاصة به ويفرض سلطانه
عليها ، وما أن تفد أنثاه حتى يتزاوجا ويحفرا عشا في التراب . ومعظم النوارس تحافظ على
أنثاها مدى الحياة ولا تسعى إلى غيرها . وقد حار العلماء في هذه الطيور طويلا وفي السر
الذي يمكن أحد الشريكين من معرفة الآخر، حتى ، حتى اكتشفوا أخيرا أن العلامة الفارقة في
بعض الطيور هي دائرة ملونة حول العين ، وللتأكد من ذلك صبغوا تلك الدوائر بألوان أخرى
مما أدى إلى كسر زيجات سعيدة . وإذا كان الطائر جديدا في أرض التكاثر أو حديث البلوغ، فهو
ينتظر مجيء شريكة. وتفد الإناث الأبكار أسرابا إلى ذلك الموقع وهي تسعى بدورها إلى البحث
عن ذكر .
وإذا وقع نظر أحداها على ذكر في موقع حسن حطت لتوها وراحت تنفض ذيلها .
والنوارس من الطيور التي لا تتملق . فإذا لم يعجب الذكر بالأنثى أبعدها فورا عن حدوده،
والأنثى هي التي تأخذ بزمام المبادرة في العادة . وبإطعام الذكر للأنثى يبرهن الذكر على
قبوله إياها واستعداده لتزويدها بالطعام ويتم التزاوج وخلال ثلاث أسابيع تضع الأنثى ثلاث
بيضات في العش . وفي فترة الحضانة التي تدوم شهرا بعد التفقيس تعيش الفراخ تحت خطر غزو الثعالب
والقنافذ وبنات عرس والأفاعي والغربان ، وخصوصا النوارس الأخرى .
إلا أن الثلاثين بالمائة التي تبقا من تلك الفراخ تنمو بسرعة وهي تتغذى من مكان خاص في منقار
كل من أبويها . ولا يغادر الوليد مسقط رأسه إلا بعد اكتمال نموه ، علما أن ريشه الأصلي المرقش
يستغرق سنوات ثلاث قبل أ، يكتسي ألوان البلوغ وهي الأبيض الناصع والرمادي والأسود .
والنورس البالغ يعمر طويلا لأنه لا يشكل فريسة لأحد . وقد تعرف علماء الطيور على نوارس
علموها قبل بعلامات قبل عشرين سنة .
ومن العسير التصديق أن النوارس كادت أن تنقرض في بعض الأمكنة قبل قرن واحد من الزمن .
إلا أنها صمدت أمام محاولات جامعي بيوضها فوق الساحل الشرقي للولايات المتحدة ،
وأمام محاولات مسمنينها في بريطانيا تمهيدا وإعدادا لطهوها كالإوز لتتوسط الموائد الفاخرة .
ثم جاء عصر القبعات النسائية الفاخرة والمزركشة ، ومع طغيان اللون الأبيض على الأذواق
باتت النوارس على الساحل الأمريكي الشرقي عرضة لبنادق الصيادين .
لكن النجدة كانت آتية ، ففي العام 1896م شنت مجموعة من نساء بوسطن حملة على صيد النوارس
عبر ممثلي الشعب ، وأسفرت تلك الحملة عن حمل النواب على إصدار قانون ينص على حماية تلك
الطيور الجميلة من الصيادين . وعادت النوارس إلى التكاثر في أمريكا الشمالية حيث توجد
اليوم 25 فصيلة من أصل فصائلها الثلاث والأربعين . وهي تنظف الشطان والأماكن العامة
من الأوساخ.فيما تشكل فضلاتها سمادا للمراعي الساحلية والمزارع القائمة فوق الجزر .
إلا ثمة نوارس تعتدي على الطيور الأخرى ، خصوصا على الخراشن الضعيفة التي تنتمي
إلى عائلة النوارس نفسها . وقد حاول علماء الطبيعة ، بدرجات متفاوتة من النجاح ،
حماية مناطق استيراد الخراشن من غزو تلك الفصيلة المعتدية . إلا أن محاولة ثقب البيوض
آلت إلى إخفاق عندما وضعت النوارس المزيد من البيض . ما لبثت أن اكتشفت الطعوم
المسممة وباتت ترفضها .
ولقد امتد خطر النوارس إلى معيلها الرئيسي ، الإنسان ، عندما اقتحمت أسرابها مجاثم الطائرات
وسدت محركاتها النفاثة مما أدى إلى أحداث قاتلة . ويتعين على دوريات مكافحة النوارس
في المطارات تعقبها باستمرار ، لأنها متى توقفت عادت تلك الطيور لتعوق المحركات .
ولكن من حسنات النوارس أنها تنظف بعض الأمكنة العامة وتخصب التربة .
وهكذا تستطيع الاستمتاع بهذه الطيور المفيدة والذكية والجميلة وهي تحلق عاليا في الفضاء .
ودائما تتحفنا بكل ما هو جديد ومفيد
تحياتي الغالي
موضوع مميز أخي العزيز : عيسى المميز
ودائما تتحفنا بكل ما هو جديد ومفيد
تحياتي الغالي
|