محمد يوسف: الاتحاد ازدهر بتحوله من الفكر الفردي إلى العمل الجماعي
محمد في شارع العروبة عام 1972 مع مجموعة من أصدقائه، أسفل الصورة الثاني من اليمين
02 نوفمبر 2024
يعد الدكتور محمد يوسف مدرسة تشكيلية ومسرحية فنية متحركة، وبحكم كونه أحد كبار الرواد في البلاد، فهو يمتلك ذاكرة مسرحية وتشكيلية وثقافية واجتماعية عن وطنه الإمارات تجعل المستمع ينغمس في الدهشة والتأمل والذهول، ناهيك عن ظله الخفيف وروحه المرحة التي يفرضها على كل من يلتقيه، ولهذا استحق يوسف التكريم تلو التكريم حتى حاز جائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب والفنون، بفضل مثابرته واجتهاده وحبه العميق للأرض التي نشأ عليها.
(الشارقة) – لا يزال الفنان محمد يوسف يتذكر طفولته قبل قيام الاتحاد، حيث كان يسكن في بيت بسيط في الشارقة بداية خمسينيات القرن الماضي، في منطقة تسمى الهولي بالقرب من حي الشويهين، وأقيم مكانه حالياً متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، ويقول «بالقرب من منزلنا كان يقع منزل العائلة الكبير بالقرب من البحر في خور الشارقة القديم».
حياة بسيطة
يقول يوسف «قبل قيام الاتحاد كانت الحياة بسيطة جداً، وأتذكر في طفولتي وجود نوع من السفن الصغيرة على سواحل الشارقة اسمها «التشالة»، وهي من النوع «السفّار» لتحميل البضائع ونقل براميل الديزل، وكان يعمل فيها خالي «النوخذة» إبراهيم زمزم، وخالي عيسى، الذي كان يعمل فني سفن، أما والدي فكان يعمل «سفّارا» يبحر إلى أفريقيا والهند وغيرها من البلدان بغرض التجارة وكسب الرزق، ثم عمل بعدها في شركات البترول التي كانت حديثة العهد».
ويصف يوسف الحياة الاجتماعية والأسواق آنذاك، فيقول «كانت العلاقات الاجتماعية تتميز بالبساطة والألفة وشيوع المحبة بين الناس، و»الفوالة» شائعة بين بيوت مختلف الأحياء، كما تميزت تلك المرحلة بظاهرة «المقيض» في رحلات متبادلة ما بين المدينة ومناطق النخيل في المزارع، وكانت تسمى فترة «الحولة» أي الانتقال من البيوت البسيطة المصنوعة من الجص وحجارة البحر في الأحياء، إلى منطقة «المقيض» التي كانت مساكنها عبارة عن (عرشان) مصنوعة من سعف النخيل، ورغم أن الكهرباء كانت موجودة إلا أنها كانت محدودة جدا، وكانت عبارة عن نقطة توفر لكل بيت سلكا يستخدم لغرض الإنارة وإدارة المروحة إن وجدت».
وحول خدمات الصحة والتعليم قبل قيام الاتحاد، يقول يوسف «كانت هناك خدمات بسيطة تتكفل بها الكويت في هذا المجال، حيث سبقت الكويت الإمارات في ظهور النفط، وأذكر أن دراستي للقرآن في سن الخامسة كانت في «الكتاتيب» عند معلمة تدعى «بنت الذهب» وذلك قبل ارتحالنا للكويت، وأذكر أن خالي عيسى زمزم كان يأخذني معه خلال طفولتي في الشارقة إلى مقهى يسمى «قهوة شرباز» في وسط السوق بالقرب من الخور (منطقة متحف الفنون حاليا)، وكنت أستمتع حينها بتناول «شربت الليمون والبيذان»، بينما كان الكبار يتناولون الشاي ووجبات الإفطار والغذاء».
وعن وسائل الترفيه أيام زمان، يقول يوسف «كانت تتمثل في السينما، مثل سينما «هارون» و»الملا»، وكانت نوعية المقاعد هي نفس الكراسي الخشبية المستخدمة في المقاهي، وكان يباع الماء البارد حينها بسعر (آنتين) وهي عملة هندية قديمة مستخدمة آنذاك، أما سعر تذكرة السينما فهو روبية واحدة، وجميع الأفلام كانت هندية باستثناء عدد محدود من الأفلام العربية المصرية».
تأثيرات الاتحاد
حول بداية السبعينيات التي شهدت قيام الاتحاد، يقول يوسف «عند قيام الاتحاد في مطلع السبعينيات، بدأت الحياة تتغير تدريجيا، فالشارع الرملي تحول إلى شارع معبد بالقار باتجاه واحد، ثم توسعت الشوارع وأصبحت باتجاهين، وكانت أغلب السيارات الشائعة هي (اللاند روفر) التي كانت تسمى (جيب) و(جيب وسط)، وكانت توجد محطة واحدة بترول في شارع العروبة (محطة شل) إلى جانب محطة (بي بي) في منطقة أخرى، وكانت عملية تسوق الناس بسيطة جدا حيث كانوا يشترون الأسماك (المشكوكة) في خوص سعف النخيل (المشكاك)، إما من السوق أو من الساحل مباشرة، حيث يخوض البعض مياه البحر لدى عودة مراكب الصيادين وهي محملة بالسمك الطازج، وكان التسوق يشمل أيضا بيع الخضراوات مثل (الرويد/الفجل) واللبن و(اليقط/ كرات اللبن المجففة)، بالإضافة إلى البيض الطازج والليمون الأخضر وسمن البدو والبصل الأبيض، والسمك المجفف «الكسيف والمالح»، كما كانت تباع في السوق أعلاف الغنم والمواشي مثل الجت البرسيم، و»العومة» السردين الصغير المجفف».
ويواصل يوسف «بعد قيام الاتحاد ورسوخه شيئاً فشيئاً عقب تحوله من الفكر الفردي إلى العمل الجماعي، بدأ إنشاء المدارس الابتدائية ثم الإعدادية، وكانت امتحانات الثانوية تجري في الكويت رغم أن الدارسة في الإمارات، حتى تم تأسيس المدارس الثانوية بالدولة في منتصف السبعينيات، وبعد دراستي الثانوية سافرت للدراسة في القاهرة، حيث شهدت حرب أكتوبر 1973، وكنت أدرس أيامها في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وقضيت ست سنوات هناك ثم عدت للإمارات في العام 1978، وحينها بدأت تتغير ملامح البلاد، فتم تطوير الشوارع وبدأت تظهر بعض البنايات العالية، وتشكلت الشرطة والجيش».
بواكير الحركة الفنية
حول مسيرة تطور الفنون في الشارقة ودولة الإمارات، يقول يوسف «في العام 1974 كانت توجد جمعية الشارقة للفنون الشعبية في منطقة المصلى (مصلى العيد)، وكانت تضم المسرح والفنون الشعبية، ولكنني أنا وكل من الفنانين عبدالله المناعي وعلي خميس ومحمد حمدان بن خادم ومجموعة أخرى، اختلفنا مع أعضاء مجلس إدارة الجمعية، فانفصلنا عن الجمعية، وقمنا بإنشاء فرقة المسرح الوطني في منطقة القادسية بالشارقة، وفي العام 1976، أمر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بضم كل من فرقة المسرح الوطني بالشارقة مع مسرح الإمارات وأصبح اسم المسرح «مسرح الشارقة الوطني»، ومن مكتبة ذلك المسرح الذي كان مقره في منطقة الناصرية عند مبنى المرور القديم، قمت بتأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في بداية 1979، وأخذت الإشهار في العام 1980، وكان معي حسن شريف وشقيقه حسين وعبيد سرور وعبد الرحيم سالم ونجاة مكي وأحمد الأنصاري وفنانون عرب من بينهم عبد اللطيف الصمودي ومحمود حسن ومحمد فهمي وأحمد حيلوز، وكان أول مقر للجمعية في فيلا بشارع الخليج في منطقة الحزّانة، ثم انتقلنا إلى شارع الكويت، واستمرت معارض الجمعية منذ ذلك الحين من معارض محلية إلى معارض خليجية ثم عربية وعالمية وصولا إلى البيناليات، فحصد الفنان الإماراتي العديد من الجوائز العالمية، وحصلت شخصيا على جوائز لا تحصى إلا أن تشرفي بتكريمي من صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، وحصولي على جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب عن فئة الفن التشكيلي عام 2024، كان أكبر وسام شرف حصلت عليه في كل حياتي».
مرحلة النضوج
عن مرحلة نضوج الاتحاد، يقول يوسف «مع رسوخ الاتحاد خطت دولة الإمارات خطوات واسعة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والعنصر المهم في مسيرة الاتحاد، التي قادها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، هو التحول من الفكر الفردي إلى الفكر والعمل الجماعي تحت راية ورؤية واحدة، جعلت نصب عينيها المصلحة العامة لدولة الإمارات محليا وخارجيا، وقد تم في هذه المرحلة بناء الإنسان الإماراتي من خلال تطوير التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، حيث ارتقت العملية التعليمية عبر عودة الخريجين من الخارج ليصبوا خبراتهم في الدولة، بالإضافة إلى تأسيس الجامعات المرموقة في الدولة وصولا لإنشاء كليات التقنية العالية في مختلف التخصصات العليا حسب متطلبات سوق العمل، وهو الأمر الذي خلق تنافسا لدى المواطنين في اختيار التخصصات العلمية النادرة، كما تطورت الرعاية الصحية عبر بناء أكبر المستشفيات وصولا إلى النهضة الإعلامية بانتقال الإعلام من الأرض إلى البث الفضائي، وقد تكللت مسيرة الاتحاد بنجاحات تحققت من خلال التسابق مع الزمن من أجل بناء دولة عصرية متكاملة، ترافق معها تسخير الموارد والإمكانيات والأموال من أجل بناء الإنسان».
تجربة محلية
يقول يوسف «فيما يخص مسيرتي الفنية، فإنها تشكلت من تجربة محلية بسيطة جمعت عددا محدودا من الخريجين والهواة، حتى ارتقت إلى مستوى البيناليات الدولية، كبينالي الشارقة للفنون الذي أصبح يتمتع بصفة دولية وعالمية، وقد حصدنا كفنانين إماراتيين العديد من الجوائز، وعلى صعيد المسرح انطلقنا كفانين إماراتيين من تجربة متواضعة أيضا وصل أول عمل منها للتلفزيون عبر مسرحية «شمس النهار» من إخراج صقر الرشود عام 1973، حتى وصلنا لتأسيس التجربة الرائدة لأيام الشارقة المسرحية عام 1982، بالإضافة إلى مسرح الطفل والمسرح المدرسي والمسرح الجامعي ومسرح الشباب».
ويتابع «لا بد من الإشارة إلى مهرجان المونودراما المسرحي في الفجيرة، وظهور جمعية المسرحيين التي أضافت زخما تنظيميا للفنانين الإماراتيين وهيئة المسرح العربي التي أثرت الحركة المسرحية العربية من خلال الورش والدورات المسرحية والجلسات النقدية، وهكذا نجد في التجربة المسرحية في دولة الإمارات حركة نشطة يشار لها بالبنان على صعيد تنظيم المهرجانات الداخلية والخارجية والورش الفنية والدورات التدريبية، وأنا سعيد كفنان شأني شأن كل الفنانين الإماراتيين بهذا الزخم الفني، ولأكبر دليل على تطور النشاط المسرحي الإماراتي هو الجوائز التي يحصدها الفنانون الإماراتيون، وقد كان من دواعي فخري أنني كرمت من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وذلك بمنحي جائزة الدولة التقديرية عام 2024».
كما كرمت من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة كرائد مؤسس للحركة التشكيلية في دولة الإمارات عام 1995، وكرائد من رواد الحركة المسرحية الإماراتية عام 2024.
مسيرة وجوائز
◆ حصل الدكتور محمد يوسف على عشرات الجوائز والشهادات المحلية والخليجية والعربية والدولية، عن إنجازاته المسرحية والتشكيلية والفنية منذ السبعينيات حتى اليوم.
◆ تشرف بتكريم خاص من صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، وذلك لحصوله على جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب، عن فئة الفن التشكيلي عام 2024.
◆ تشرف بتكريم خاص من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لجهوده المخلصة في مجال الفنون المسرحية وذلك في الدورة المسرحية الثامنة عشرة لأيام الشارقة المسرحية 2024.
◆ تشرف بتكريم خاص من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وذلك لجهوده المخلصة في تأسيس وتكوين الحركة التشكيلية وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1995.